ما هي السوق السوداء وكيف تعمل ؟ سؤالاً يتداول بين غالبية الناس، وخاصة أثناء الحالات الحرجة في المنطقة الجغرافية التي تشهد نزاعات سياسية وعسكرية. ولكن، الذي لا يعرفهُ أحد بأنّ السوق السوداء موجودة في كل مكان تقريباً وصولاً للتداول العملات الأجنبية وغيرها من الأصول المالية عبر الإنترنت إلى أن وصلنا اليوم إلى ضرورة التعريف بالسوق السوداء وأخطار هذا السوق على الحياة المالية.
تلخيص المقال
- السوق السوداء هي أي نشاط تجاري يَشمل بيع او شراء ولا يتم بشكل قانوني، ويتم بيع وشراء أي شيء في هذا السوق مهما كان.
- تزدهر الأسواق السوداء في البلدان التي لا تتصرف حكوماتها بحكمة، أو التي تواجه كوارث طبيعية أو حروب، كما تنتشر بسبب الجهل في القوانين والبطالة وعدم توفر السلع بشكل قانون.
- من أبرز نتائج الأسواق السوداء على الاقتصاد التضخم وعرقلة النمو الاقتصادي واستنزاف القطع الأجنبي وخسارة الاستثمارات.
- أصبحت العملات الرقمية هي وسيلة الدفع الأكثر شيوعًا في الأسواق السوداء نتيجة لخصائصها الفريدة في صعوبة تتبع مصدرها.
تعريف السوق السوداء
بالعودة إلى معاجم اللغة، نجد أنّ تعريف السوق السوداء يَشمل أي نشاط اقتصادي لا تشرف عليهِ الحكومة. كمثال يمكننا القول عن سلعة دخلت أي بلد بطريقة غير مَشروعة وتم بيعها؛ أنّها بيعت ضمن السوق السوداء. وهُنا يُطرح سؤال؛ هل التداول حلال فيها؟
فـ السوق السوداء تشمل جميع أنواع السلع، القانونية منها أو غير القانونية. فالسلع القانونية يتم بيعها ضمن السوق السوداء للتهرّب من الضرائب التي قد تفرض عليها. وغير القانونية يتم بيعها فيها لأنها غير شرعية أي لا يسمح القانون ببيعها أو شراءها بطبيعة الحال.
في السابق، كان التعامل في السوق السوداء يتم عبر النقد، لكن بسبب التطور انتقلت أنشطة السوق السوداء إلى الإنترنت بشكلٍ كبير. كما تحولت العملة نحو العملة الرقمية شيئًا فشيئًا.
والآن، لنتخيّل سوقًا بأكملهُ لا يخضع للسيطرة أو الرقابة من أي جهة. كيف سيكون شكلهُ؟ وما هي السلع التي قد تباع فيه؟
تمامًا. كل أنواع السلع والبضائع الخطرة التي تخيلتها الآن تباع ضمن السوق السوداء، يشمل ذلك الأسلحة والمخدرات وحتى البشر مع الأسف.
وتُشير التقديرات إلى أنّ هُناك 40 مليون شخص يقعون ضحية العبودية في جميع أنحاء العالم. واحد من كل أربعة منهم من الأطفال. ليسَ هذا فحسب، بل أنّ ما يَقرب من ثلاثة أرباعهم وبنسبة 71٪ هم من النساء والفتيات.
كما أنّ تقرير منظمة العمل الدولية لعام 2014، يشير إلى أن أرباح الاتجار بالبشر تبلغ 150 مليار دولار سنويًا.
لماذا توجد الأسواق السوداء: التأثيرات الاقتصادية والتنظيمية
بشكلٍ أساسي، تنشأ الأسواق السوداء بكافة أشكالها نتيجة عدم تسجيل معاملات البيع أو الشراء بشكلٍ قانوني. لا تكون هذهِ المعاملات غير قانونية بالضرورة، ولكن في هذهِ الحالة فإنّ عدم تسجيلها يُبعدك عن الضرائب الحكومية.
هل فكرت يومًا في مقايضة قطعة ذهبية تمتلكها بآلة كهربائية يمتلكها جارك مثلًا؟ أو هل سبق لك وأن وظفت مدبرة منزل دون تسجيل ودفع ضرائب التوظيف؟ هذهِ الأنشطة غير قانونية دون تسجيلها لدى الحكومة غالبًا. وهذا بدورهُ يقودنا إلى سبب آخر يجعل السوق السوداء تنتشر، وهو جهل الناس ببعض القوانين ببساطة.
نستنبط سبب آخر من الأمثلة السابقة، وهو لجوء العديد من العمال إلى دخول السوق السوداء بسبب عدم قدرتهم أو حتى عدم رغبتهم في الحصول على التراخيص المطلوبة.
ومن الأمثلة الواضحة للحالة الأولى، حيث لا يكون متاحًا للعامل الحصول على ترخيص العمل، المهاجرون بشكلٍ غير شرعي والذين يصلون إلى بلدان دون امتلاكهم أي أموال وسينتج عن ذلك انخراطهم في أعمال دون تسجيلها لكسب المال.
والطلاب الذين يسافرون بغرض الدراسة ثم ينخرطون بالعمل نتيجة عدم توفر المال اللازم لتغطية مصاريف الدراسة كمثال آخر. ناهيك عن الأطفال الذين يعملون دون بلوغهم السن القانوني للعمل؛ جميع هذه الأعمال معبّرة عن السوق السوداء.
الكوارث الطبيعية والحروب والبطالة أسباب تعزز انتشار الاسواق السوداء
بالعودة إلى الأسباب التي جعلت هؤلاء في الأمثلة السابقة يهاجرون، فالكوارث الطبيعية والحروب بدورها تجعل السوق السوداء تنشط، لنتخيّل بلدًا يعاني من كارثة طبيعية، تحاول فيهَ الحكومة مواجهتها، ومن بين الإجراءات التي تتخذها يتم فرض حد أقصى للسعر بالنسبة للسلع التي يتم بيعها والسلع الأساسية كالغذاء والدواء في حالات كهذهِ ستنفذ بسرعة. وعلى الأرجح أن يظهر بعد ذلك الباعة الذين يَملكون هذهِ السلع ويطرحونها بسعرٍ أعلى بكثير من السعر الذي حددتهُ الحكومة، وسيشتري الناس هذهِ السلع بهذا السعر بكل تأكيد بسبب الحاجة إليها.
علاوة على ذلك، قد تنشط الأسواق السوداء بسبب الإجراءات غير المحسوبة للحكومات حتى عندما لا يكون هنالك أي كوارث طبيعية. كوبا هي مثال واقعي لنا، أدى فيها التقنين في بيع السلع الأساسية في ظل الشيوعية إلى طلب كبير قابلهُ عرض قليل. وفي نهاية المطاف لجأ المواطنون للشراء عبر السوق السوداء لأن الشراء عبر الأسواق الأساسية غير مُتاح.
البطالة هي سبب آخر أكثر خطورة لانتشار السوق السوداء، لماذا نَعتبرها أكثر خطورة؟ السبب في ذلك يعود إلى أن البطالة قد تجعل العاطل عن العمل يستجيب لأي عمل يطلب منهُ نتيجة الحاجة إلى المال، ابتداءً من الإصلاحات الكهربائية البسيطة وانتهاءً بتجارة الممنوعات.
السلع المشتركة المتداولة في السوق السوداء
بعد أن عرفنا ما هي السوق السوداء. يُمكننا القول أنّ كل شيء حرفيًا يمكن أن تجد فيه سوق سوداء، ومن بين الأمثلة على ذلك:
العملات الأجنبية: في البلدان التي تَفرض قيودًا على الصرف الأجنبي، قد يلجأ الناس إلى السوق السوداء للحصول على العملات الأجنبية مثل الدولار الأمريكي أو اليورو. ومن الأمثلة القريبة في المنطقة نذكر السوق السوداء للعملات في مصر وسوريا، وقد سبق لمحمد بدرة، الرئيس التنفيذي لأحد البنوك الخليجية سابقًا التصريح بأنّ السوق السوداء قائمة داخل مصر منذ ستينيات القرن الماضي وتطفو على السطح مع كل أزمة جديدة في الاقتصاد.
وكان مصرف جولدمان ساكس إنترناشيونال حذر في تقرير سابق لهُ من عواقب سلبية لاستمرار السوق السوداء للدولار على استدامة الاقتصاد المصري.
الأدوية: تُعد تجارة الأدوية الموصوفة والمخدرات غير المشروعة من أكثر الأنشطة رواجًا في السوق السوداء.
الأسلحة: تَخضع تجارة الأسلحة لتنظيمات صارمة في العديد من البلدان، مما يدفع بعض الأشخاص إلى شرائها وبيعها في السوق السوداء.
الأعضاء البشرية: على الرغم من كونها غير أخلاقية وغير قانونية، إلا أنّ تجارة الأعضاء البشرية موجودة في السوق السوداء، خاصة في البلدان التي تفتقر إلى أنظمة التبرع بالأعضاء الفعّالة.
المنتجات المقلدة: تُباع السلع المُقلدة، مثل الملابس والإلكترونيات، بأسعار أرخص بكثير من المُنتجات الأصلية، مما يجعلها جذابة للمُستهلكين ذوي الميزانيات المحدودة.
الحياة البرية: يتم بيع الحيوانات المُهددة بالانقراض ومنتجاتها، مثل العاج وجلود الحيوانات، بشكلٍ غير قانوني في السوق السوداء، مما يشكّل خطرًا كبيرًا على التنوع البيولوجي.
البيانات الشخصية: نعم، العنوان صحيح! حيث بيع المعلومات الشخصية، مثل أرقام بطاقات الائتمان والبيانات الطبية، في السوق السوداء، ويمكن استخدامها لارتكاب جرائم الاحتيال وسوء استخدام الهوية.
وسط كل ذلك، لعب شراء العملات الرقمية، مثل البيتكوين، دورًا متزايدًا في تسهيل الأنشطة في السوق السوداء. وذلك لأنها تُقدم خصائص مثل السرية وعدم إمكانية تتبعها، مما يجعلها جذابة للمُجرمين الذين يسعون إلى غسل الأموال وتمويل عملياتهم.
دور الأسواق السوداء في تحقيق الحرية المالية
في حين تشكل الأسواق السوداء حوالي خمس النشاط الاقتصادي العالمي وفقا لدراسات عديدة. يبقى السؤال المطروح حول تأثيرها الفعلي في تحقيق الحرية المالية، ولكي نفهم مدى تأثيرها حقًا فمن الضرورة بمكان أن نَعقد مُقارنة بين الإيجابيات والسلبيات في معاملات السوق السوداء، ولنبدأ بالإيجابيات:
انخفاض الأسعار والتكاليف: يُمكن أن تكون الميّزة الأبرز في السوق السوداء هو تأمينها مُعاملات السوق القانونية بتكاليف أقل، وذلك بطبيعة الحال مردهُ إلى عدم وجود ضرائب أو رسوم تفرضها السوق القانونية.
إتاحة السلع المَحظورة: ميّزة أخرى للسوق السوداء وهي السماح للناس بالوصول إلى السلع والخدمات المُقيدة أو غير القانونية ضمن السوق القانونية. على سبيل المثال، يتم بيع السلع المُقلّدة في السوق السوداء.
الراحة: نحن نقصد هنا أنّ مُعاملات السوق السوداء لا تحتاج للإجراءات الروتينية والمعقدة في كثير من الأحيان على النحو الذي تفرضهُ المعاملات القانونية.
حتى لا يساء الفهم، نحن لا ندعو إلى اللجوء إلى معاملات السوق السوداء، فعلى الرغم من التسهيلات والمزايا السابقة إلا أنّها لا زالت تتضمن الكثير من التعقيدات والعيوب، وهي:
انخفاض الجودة: أحد أكبر عيوب معاملات السوق السوداء هي انخفاض جودة السلع والخدمات غالبًا، فقد تكون السلع المقلدة ذات نوعية رديئة وقد لا تعمل على النحو الصحيح. وبالمثل، فإنّ الأدوية التي تباع في السوق السوداء قد تكون ملوثة أو ذات جودة أقل من تلك التي تباع بشكلٍ قانوني. في النهاية، تبقى هذهِ السلع مجهولة المصدر.
السلامة: كنتيجة طبيعية لانخفاض الجودة، يمكن أن تكون مُعاملات السوق السوداء خطيرة وغير آمنة. فعند شراء أدوية من السوق السوداء، ستكون عرضة لخطر الجرعة الزائدة أو مشاكل صحية أخرى.
العواقب القانونية: نقطة لا يمكن إغفالها، فقد يواجه الأشخاص الذين يتم القبض عليهم وهم يشاركون في معاملات السوق السوداء غرامات أو السجن أو عقوبات قانونية أخرى.
المُحصلة، بينما يمكن للسوق السوداء خفض عائدات الضرائب، وخلق فرص للجريمة. يمكنها كذلك توفير سلع وخدمات غير متوفرة. كما يمكنها أيضًا خلق فرص عمل بل ويمكنها تعزيز النمو الاقتصادي في كثير من الأحيان.
العملات الرقمية والأسواق السوداء: حدود جديدة
يغرق عالمنا اليوم في ثورة رقمية هائلة، تجسّدها بشكلٍ كبير تقنية العملات الرقمية، مثل منصات تداول البيتكوين، التي تُقدم ميزات ثورية تُغير مفهومنا للنظام المالي. وبينما تُتيح هذهِ العملات إمكانيات هائلة لتحسين كفاءة المعاملات المالية وتوفير فرص جديدة للتجارة. إلا أنّها تُثير في الوقت ذاتهُ مخاوف جدية بشأن استخدامها في الأنشطة غير القانونية، خاصةً في السوق السوداء.
في عام 2022، أظهرت دراسات عديدة أن تدفّقات العملات الرقمية في السوق السوداء بلغت حدودًا جديدة وصلت إلى 20 مليار دولار! في الواقع، كان للمُحتالين وتجار التجزئة عبر الدارك ويب واللصوص نصيب الأسد منها.
وفي الحقيقة، تُقدّم العملات الرقمية، وخاصةً بيتكوين، خصائص فريدة تُجعلها مغريةً للغاية للمُجرمين في السوق السوداء. فمن خلال ميزاتها التي تتمثّل في عدم الكشف عن هوية المُستخدم وصعوبة تتبع المعاملات، تُتيح العملات الرقمية إتمام المعاملات المالية بشكلٍ سري ودون رقابة من قبل السلطات.
استخدام العملات الرقمية في شراء السلع غير القانونية
يُلاحظ ازدياد استخدام العملات الرقمية بشكلٍ ملحوظ في شراء وبيع السلع والخدمات غير القانونية، مثل المخدرات والأسلحة والمنتجات المُقلدة. كما تُستخدم في تمويل الأنشطة الإرهابية وغسل الأموال، ممّا يُشكّل تهديدًا خطيرًا للأمن والاستقرار في جميع أنحاء العالم.
ولذلك يُثير استخدام العملات الرقمية في السوق السوداء جدلاً واسعًا حول مفهوم الخصوصية، حيث تُقدم هذهِ العملات ميّزة إخفاء هوية المُستخدم، ممّا قد يُشجع بعض الأفراد على الانخراط في أنشطة غير قانونية دون خوف من الكشف عن هويتهم.
في عام 2023، اعترضت السلطات الأسترالية طرودًا تحتوي على المُخدرات مرسلة بالبريد من أوروبا إلى شخص في استراليا، هذه الصفقة تمت عبر العملات الرقمية فكيف حدث ذلك؟
أثناء التحقيقات، اعترف ذلك الشخص بأنهُ سجّل حساب عبر الانترنت في أحد الاسواق السوداء وبدأ بالفعل في شراء واستيراد المخدرات عبر العملات الرقمية. وقد اشترى كميات كبيرة من المخدرات التي عثر عليها في منزلهُ وبنفس الطريقة.
نستنتج من ذلك أن ازدياد استخدام العملات الرقمية في السوق السوداء يشكّل تحديًا هائلاً للسلطات، فمن خلال صعوبة تتبع المعاملات الرقمية، تُصبح مكافحة الجريمة المنظمة وغسل الأموال أكثر تعقيدًا.
لا شكّ أنّ العملات الرقمية تُقدم مزايا ثورية تُمكّن من تحسين النظام المالي العالمي. لكن في الوقت ذاتهُ، تُثير ازدياد استخدامها في السوق السوداء مخاوف جدية بشأن الخصوصية وإنفاذ القانون.
تجارة الفوركس والسوق السوداء
بعد أن عرفنا ما هي السوق السوداء، يُمكننا الانتقال للحديث عن تجارة الفوركس وصلتها بها، حيث لا يخفى على أحد بأن الفوركس يشكل أهمّ مكونات النظام المالي العالمي. لكنّ هذهِ التجارة مثل أيّ نشاط بشري، ليست بمنأى عن الانحرافات والجرائم. ففي ظلّ الظروف الاقتصادية الصعبة، أو الأنظمة السياسية غير المُستقرة، قد يلجأ البعض إلى استخدام أسواق الفوركس منصات تداول الفوركس بشكلٍ غير قانوني، مُشكّلين ما يعرف بالسوق السوداء للفوركس.
تتعدد أساليب التلاعب بالسوق السوداء للفوركس، وتشمل:
التداول بدون ترخيص: يُشترط على جميع المتعاملين في سوق الفوركس الحصول على ترخيص من قبل السلطات المختصة. بينما يتجاهل متداولو السوق السوداء هذهِ المتطلبات.
استخدام صفقات وهمية: يتمّ إنشاء صفقات وهمية على منصات تداول الفوركس لتضليل المتداولين ورفع أو خفض قيمة العملات بشكلٍ مصطنع.
التلاعب بالأسعار: يتحكّم تجار السوق السوداء بأسعار العملات من خلال شراء وبيع كميات كبيرة منها بهدف التأثير على اتجاهات السوق. وعلى صعيد متصل، تلقي ممارسات تداول الفوركس في السوق السوداء بظلالها السلبية على الاقتصاد العالمي ككل، وتشمل:
زعزعة استقرار الأسواق: كما ذكرنا قبل قليل، يتلاعب تجار السوق السوداء بسوق الفوركس وذلك سيؤدي إلى تقلبات كبيرة في أسعار العملات، مما يُؤدّي بدورهُ إلى زعزعة استقرار الأسواق المالية وتخويف المستثمرين.
تمويل الأنشطة غير القانونية: بعد كافة المعلومات التي ذكرناها، يتضح أن السوق السوداء للفوركس يستخدم في غسل الأموال وتمويل الأنشطة الإرهابية والجرائم المنظمة، وذلك سيهدّد الأمن والاستقرار الدولي بكل تأكيد.
إلحاق الضرر بالاقتصادات الوطنية
لا يقتصر التأثير السلبي على الاقتصاد العالمي ككل، بل يتجاوزهُ ليصل ضررهُ إلى الاقتصادات الوطنية لكل دولة. يَحدث ذلك لأسباب كثيرة ومنها عمليات التداول غير القانونية التي تؤدي إلى سفر رؤوس الأموال خارج الدول، والتي تؤثر سلبًا على اقتصاداتها الوطنية.
التضخّم هو أمر آخر تجلبهُ السوق السوداء للفوركس على الاقتصادات الوطنية، عندما يكون سعر الصرف في السوق السوداء أعلى من سعر الصرف الرسمي، يُؤدّي ذلك إلى ارتفاع أسعار السلع المُستوردة، ممّا يُؤثّر على معدلات التضخم. ونتيجة لزيادة تكلفة استيراد السلع والمواد الخام، سيؤدي ذلك إلى إعاقة النشاط الاقتصادي وبالتالي تثبيط النمو الاقتصادي. ليسَ هذا فحسب، بل أنّ انخفاض سعر الصرف في السوق السوداء سيؤدي إلى انخفاض إيرادات الحكومة من الصادرات، ممّا يُؤثّر على ميزانيتها. ولا يقف الأمر عند هذا الحد بل يتجاوزهُ ليُؤثّر على الاستثمار الأجنبي من خلال جعل الاستثمار في البلاد أكثر تكلفة، ممّا يُعيق تدفق الاستثمارات.
المخاطر والعقوبات المُرتبطة بأنشطة السوق السوداء
دعنا نتفق أنّ المُشاركة في أنشطة السوق السوداء لا تمثّل طريقًا سهلًا لتحقيق الثراء، بل هي رحلة محفوفة بمخاطر التداول والمخاطر القانونية أو الشخصية. تشمل هذهِ المخاطر نوعين، الأول هو مخاطر قانونية تُهدّد الحرية، حيث يُواجه المُشاركون في أنشطة السوق السوداء عقوبات قانونية صارمة تَختلف حدّتها بإختلاف نوع النشاط والبلد. تشمل هذهِ العقوبات:
السجن: يُعاقب المُدانون بالمشاركة في أنشطة السوق السوداء، مثل بيع المخدرات أو الأسلحة، بالسجن لفترات طويلة، قد تصل إلى المؤبد في بعض الحالات.
الغرامات المالية: بالإضافة إلى السجن، قد يُفرض على المدانين غرامات مالية باهظة تهدف إلى ردعهم عن تكرار هذهِ الأفعال.
مصادرة الأموال والممتلكات: تُصادر السلطات الأموال والممتلكات المُكتسبة من خلال أنشطة السوق السوداء، حرصًا على منع الاستفادة من الأنشطة غير القانونية.
السجلّ الجنائي: إدانة المشاركة في أنشطة السوق السوداء سجلًا جنائيًا يُؤثّر سلبًا على فرص العمل والسفر والحصول على بعض الخدمات.
بالعودة إلى الاسترالي الذي تم إلقاء القبض عليه نتيجة استيرادهُ للمخدرات من أوروبا، فقد تم الحكم عليه بالحبس لمدة ثلاثة سنوات ونصف، بالإضافة إلى الغرامة التي وصلت إلى 1000 دولار أسترالي. علاوة على ذلك، يشمل النوع الثاني من المخاطر تلك التي لها علاقة بالمخاطر الشخصية التي تُهدّد السلامة، مثل:
العنف: من الواضح أنّ أعمال العنف والقتل من الأمور الشائعة في السوق السوداء، خاصةً في تجارة المُخدرات والأسلحة، حيث تسودّ قوانين العصابات والابتزاز.
الاحتيال: يُصبح المشاركون في السوق السوداء ضحايا لعمليات الابتزاز والاحتيال من قبل تجار السوق السوداء أو أفراد آخرين يسعون إلى الاستفادة من ضعفهم.
مخاطر صحية: كما ذكرنا في السابق، فقد تُشكّل بعض السلع المتداولة في السوق السوداء، مثل الأدوية المقلدة أو المواد الغذائية الفاسدة، خطرًا كبيرًا على صحة وسلامة الأفراد.
التعرّض للمخاطر: بالنسبة لأولئك الذين يعملون في السوق السوداء، قد ينتهي بهم الحال في العمل في ظروف غير آمنة أو بممارسة أنشطة خطيرة، ممّا يُعرّضهم لخطر الإصابة أو الوفاة.
مناقشة السوق السوداء: المعضلات الأخلاقية والحقائق الاقتصادية
هل يجب القضاء على السوق السوداء؟ يُمكننا القول أنّ الإجابة السهلة هي نعم. ولكن في المقابل، هل يمكننا اعتبارها شر لا بد منهُ؟ لا يخفى على أحد أن هنالك تفاوت واضح في عمل الحكومات من بلد لآخر، وعندما تكون الإجراءات الحكومية معطلة تبقى الأسواق السوداء هي المتنفس الوحيد للشعب.
لشرح وجهة النظر هذهِ نذهب إلى إثيوبيا، حيث تنتشر السوق السوداء للأدوية بشكلٍ كبير. أدى اعتماد عدد محدود من الأدوية لدى الحكومة. بالإضافة إلى العملية المُعقدة لتسجيل الأدوية الجديدة إلى جانب ارتفاع أسعار الصيدليات الشرعية إلى نمو هذا السوق وازدهارهُ على مدى السنين. صحيح أنّ وجود هذا السوق يمنع النمو الاقتصادي للبلد، لكنهُ يلبي في المقابل طلب لا تلبيه السوق الشرعية كما هو واضح، فالدواء لا يمكن العثور عليه إلا في السوق السوداء وليس ضمن السوق الشرعية كما هو مفترض.
فهل تكون المُشكلة قد حلت حقًا عندما يتم حذف السوق السوداء في هذهِ الحالة؟ وما الذي سيتعين على المريض اليائس فعلهُ حتى يتوقف الألم؟
مما سبق نستنتج أنّ فهم الأسباب الحقيقية التي دفعت السوق السوداء للازدهار والنمو ومن ثم معالجتها بكفاءة هو الطريق الوحيد لمحاربة السوق السوداء واستئصالها دون ترك مكانها فارغًا.
شارك بتعليق